بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المذكور المشكور، الذي بذكره تطمئن القلوب، الرحيم الغفور، الذي بلطفه تنفرج الكروب الذي قال: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).
وقال: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن أشرف الحديث ذكر الله تعالى، قال الله عز وجل: ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ(وأعظم الأعمال ثواباً أجر الذاكرين، قال الله تعالى: ) وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(.
واعلم أن دخول الشيطان على العبد مع ثلاثة أبواب: باب الشهوة وباب الغفلة، وباب الغضب، والذكر يطرده كما قال النبي : (ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاء ذكر الله فطرد الشيطان عنه).
وقال : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمّ فرجاً، ومن كَلّ ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب).
وقال r : (لا يقعد قوم مقعداً يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده).
وقال r : (ما جلس قوم مجلساً لا يذكرون الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم).
وقال r : (من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كفر الله ما كان في مجلسه ذلك)، وفي رواية (إنْ كان في مجلس خير كان كالطابع له، وإن كان في مجلس تخليط كان كفارة له).
]قال ابن القيم رحمه الله تعالى]: وفي الذكر أكثر من مائة فائدة:1/ يطرد الشيطان، 2/ويرضى الرحمن عز وجل، 3/ويزيل الهم والغم، 4/ويجلب الفرح والسرور، 5/ويقوى القلب والبدن، 6/وينوَّر الوجه والقلب ويجلب الرزق،7/ ويكسو المهابة والحلاوة،8/ ويورث المحبة والمراقبة،9/ فيعبد الله كأنه يراه ويورث الإنابة إلى الله والقرب منه، 10وهو قوت القلوب والروح.
وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم إلتفت إليَّ وقال: هذه غدوتي وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها؛ ومنها أنه يحطُ الخطايا ويذهبها ويزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى وهو غراس الجنة ونور للذاكر في الدنيا، وفي القبر وعلى الصراط، والذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، وهو يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال والحمل على الخير في سبيل الله، وهو رأس الشكر، وأكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره؛ والذكر شفاء القلب ودواؤه، وهو جلاب للنعم، دفاع للنقم، ويوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، ومجالس الذكر رياض الجنة، ومجالس الملائكة. وإدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها، وهو من أكبر العون على طاعة الله، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، وهو سبب تصديق الرب عزّ وجلّ عبده.
وفي الحديث: (إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي، لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال لا إله إلا الله وحده، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا وحدى، وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له، قال صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، قال من رزقهن عند موته لم تمسه النار).
ومنها الذكر سدٌ بين العبد وبين جهنم، والملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب، والجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكرالله عزّ وجل عليها، وهو أمان من النفاق، وله لذة لا يشبهها شيء، وفي الاشتغال به اشتغال عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة واللغو وغير ذلك.
والذكر نوعان:
1/ ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه بها وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى. إلى أن قال: وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه وبما أثنى به عليه رسول r من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل وهذا النوع ثلاثة أنواع: حمد وثناء ومجد، وقد جمعها الله تعالى في أول الفاتحة (فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علىّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي).
إلى أن قال: ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلاءه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضاً من أجل أنواع الذكر.
فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، والذكر أفضل من الدعاء؛ فالذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه.
والدعاء سؤال العبد حاجته، ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعى بحمد الله تعالى والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله r سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصلّ على النبي r ، فقال رسول الله r : (عَجِلَ هذا ثم دعاه فقال له: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه، ثم يصلى على النبي r ثم يدعو بما شاء).
وهكذا دعاء ذى النون عليه السلام: ) لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( ومنه قوله r في دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
وسمع رسول الله r رجلاً يدعو وهو يقول:اللهمّ إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعىَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى).
وعن أنس أنه كان مع النبي r جالساً ورجل يصلى ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، فقال النبي r : (لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِىَ به أجاب، وإذا سئل به أعطى إلى أن قال).
وقراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء والأذكار المقيدة بمحالّ مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتمّ الوجوه كانت أفضل من كلٍّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء انتهى ملخصاً.
قــرأت من كتاب غذاء القلوب ومفرج الكروب
فَضَيلةِ الشَّيْخِ العَلاَّمةِ
فَيْصَلَ بِنَ عَبدِ العَزِيزِ آل مُبَارَك
أنصحكم بــهذا الكتاب رووعه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]